Thursday, February 23, 2017

مُحلّى بالعسل.

مُحلّى بالعسل.

كان كوب الشاي المحلى بالعسل يبرد داخل راحة يدها عندما تذكرته للمرة الألف اليوم. كلما زحفت ذكرى ابتسامته لا يقتلها سوى سكوته وقت رحيلها. عاد بها نمط الحياة بلا طعم، فعادت هي تحلي كل ما تشاهد غصباً. كل ما و من حولها تراهم ضدها، الاختلافات تشل حركات دماغها و صارت الأيام اثقل فاثقل. تسآلت عن ماذا لا يرى فيها، فردت بعدم الاكتراث بأي من هذا بعد اخر مرة رفضها عنواً.

كادت ان تكتب له رسالة تقول له فيها انها ارادت ان تحدق لعينيه لفترة من الزمن ثم تذهب في سلام. لعلها تكتشف انه لا يليق بها ربما. لعلها تسمع صوته فلا يعجبها، لعله لا يروق لها مزاحه، لعله. ارادت ان تسأله عن الحياة، و كيف عساها ان تظل تمشي كل يوم بذكراه الوحيدة، و انها تقول لنفسها انه ربما ليس حقيقي. ذاب العسل في الكوب ببطء كما يذوب هو في روحها كلما تحدث احد ما باسمه. 
يالاسمه و عذوبته.. يفتح زهور ما في صدرها من خوف و فزع ليستبدله بطمأنينة و سكينة و هدوء. تشعر بالسكون طالما هو يراها، او كما كان يراها.

برد كوب الشاي و صار طعمه الحلو لا يلاحظ؛ كما الأشياء في نهايتها. اول الامر يختلف كثيرا عن آخره. في البداية، كل شيء يلمع، و ينطفئ ببطء قاتل كلما قل الاهتمام و الفضول للحصول و الوصول للأفضل. 

شهور تمر و لا يسعني غير ان أراه الأفضل.

— سَلمى ابوزيد



Thursday, June 16, 2016

6:55 AM - No comments

أضاءت





أضاءت.

كانت فروع الشجر الكبيرة تنمو بجنون في تلك الليلة. كل شيء كان يتم بجنون. العالم تحول من حوله و صار الدخان الأزرق في ثواني ينقلب إلى اخضر ثم برتقالي ثم احمر داكن كالدم. الاحتفالات كادت تهدم كل سقف بيت من الصخب و الموسيقى و الرقص. حين تشم الارض رائحة الرقص للاقدام الحافية، يجن جنون فروع الأشجار. و يحدث المثل للعاشقين؛ كان هو أولهم.
يُفضح الواحد تلو الاخر حين يلمس جزع اي شجرة غريبة عن كل الأشجار، و حين ينظر لأول فتاة أمامه، يعشقها. لا يهم من هي، او من اين أتت، او إلى اين تذهب. فهي تُعشق؛ بتلك البساطة. 

انتبه هو لجميع الأشجار حوله، التف بذراعيه حول نفسه حتى لا يلمس اي شجرة. فهو لا يريد ان يعشق غيرها. رآها في الاحتفال الماضي و حين ظهرت أمامه، أضاءت الشجرة الاخيرة بجانبه، معلنة عن نهاية الجنون، و انه اذا احتضنها حتى لن يعشق محبوبته او اي فتاة أخرى. تذكر انها ظهرت مرة واحدة، ذلك التاج على الشعر الطويل المجعد، العينان المائل لونهما إلى اخضرار الزرع مع ازرق السماء و هي صافية. لا يعلم شيئاً عنها، و لم يلمس اي طرف منها تلك الليلة. 

زاد صخب الاحتفال اكثر، زاد الدخان و زادت الناس حول الأشجار، بحث عنها، ركضاً، مشياً، لهثاً و لم يجدها. مشي في كل الأنحاء، حتى المكان الذي رآها فيه مسبقاً. فقد الامل، انتظر في خلاء بلا أشجار، كي لا يعشق اخرى. 
مكان بعيد عن الاحتفال، حتى كاد ان ينتهي اليوم و شاهد شجرة تلو اخرى تضيء. 
مع اخر شجرة مضيئة، فك ذراعيه ثم نظر إلى يداه و تنهد، سمع صوت فتاة من خلفه تقول له 
لم تعشق؟ 
وجدها هي، أمامه، مبتسمة و غير حزينة.
قال لها و دقات قلبه تتسارع بعدما آفاق من صدمته؛ 
أضاءت،
جميع الأشجار؛ أضاءت.

— سَلْمَى أبُوزِيدْ 

Sunday, October 18, 2015

7:45 AM - No comments

طوق السعادة

طوق السعادة

كان في ذلك اليوم، حين غربت شمس نهارنا لتشرق على يوم أرضهم. لم نكن في قمة الاختلاف، لكننا كنا غير متشابهين في معظم عاداتنا. نصف يومنا يبدأ حين ينتهي ليلهم و هكذا دواليك، منذ بداية الزمان. أرضهم البيضاء حيث الأحلام تتجدد و أرضنا زرقاء، لا أحلام فيها. كل ما يحدث لنا في نهارنا يُنسى حين نذهب في النوم. الأشياء الجيدة تُغذينا بالسعادة و أما الأشياء السيئة تذهب إلى فضاء الغيوم. ننام و نصحو غير متذكرين إلا اليوم و هكذا كل يوم. 

كنت أقف على حافة الطريق حين لمحته ذاهب إلى أرضه، رآني ناظرة ناحيته فارتبكت. و كنت أضع حول عنقي طوق السعادة. هذا الطوق يوجد في أعماق أرضنا الزرقاء، لا يحمله إلا النساء الصافيات. اقترب مني و بخفوت وجدته يتكلم بصوت عذب رزين:

- طوق السعادة..
- لشدة زرقة روحي ورثته عن جدتي..
- جميل جداً- و ابتسم لي

نادى بإسمه منادي؛ صفوان!، حتى لا يتأخرا في العودة إلى أرضهم، فوجدته لا زال لم يحرك ساكناً حتى قال:

- أيمكن ان أراكي غداً؟
- ربما، قلت هذا و توهج طوقي من السعادة. فُضحت فضحك. و ابتسمت ذاهبة إلى حدود أرضي.

في اليوم التالي، لم أره.

لم أستطع عدم التفكير فيه، فقررت الذهاب للأرض البيضاء و العودة سريعاً حتى لا يلحظني أحد. 

لبست ما يشبه الملاءة الطويلة التي لا لون لها فغطت جسدي إلا يداي و وجهي و رقبتي. انطلقت إلى طريق "السماء" الذي يوصل بين الأرضين. وجدت نفسي وسط ارض ليس بها ناس، و لم أتحرك حتى سمعت أصوات دندنة آتية من بعيد. علمت ان هذا هو ما يسمى بسحر الغرباء و انك إذا لم تفيق سريعاً قد تبقى تائه للأبدية داخل نفسك و هذا ابشع من الموت. 

وضعت يداي على أذنيَّ لأمنع الدندنة لكنها كانت جميلة و ساحرة، لم استطع منعها اكثر من ذلك، وجدت نفسي أتألم من داخلي و طوقي وهيجه يقل و يقل؛ كانت روحي تنفذ. حتى سمعت صوت يقول لي افتحي عيناكِ، افتحي عيناكِ حتى لا تتوهي، فتحت عيناي. وجدتُ نفسي في أرضنا الزرقاء، بين المارة و الناس، و الزوار يُغادرون. وإذا بفتاة جميلة تُنادي من كان واضحاً جداً انه شريكها ليأتي معها للعودة لأرضهم، فقالت:

- صفوان، سنتأخر، هيا بنا!

و رأيته هناك...توهج طوقي ثانية..و كانت هذه أول مرة أحلم فيها..هو كان حلمى الأول...

فعندما تغرب شمس يومنا
ربما أراك غداً بشروقي عليك
 فلا الأمس أملك ولا اليوم أحصل عليك..

— سَلْمَىٰ أبُوزِيٓدْ 

Thursday, August 13, 2015

6:05 AM - No comments

نُقطة وصُول

نقطة وصول


هذا اللوح الخشبي يمتد إلى جذور الأرض. نظرت إليه نظرة تحدي و استفهام؛ ان كيف يكون بتلك القوة و الصلابة و الإصرار، كيف تصل جذوره إلى اصل الأصول، حيث الطين و الماء و التراب المختلط بالحصى؟ فأنا مكونة من كل هذا و ما عساي ان اصل بجذوري مثلما يفعل. اعتقد اننا مع كل الاستفهامات التي بلا إجابات قاطعة نحظى بفرصة التنوير و لكنها ليست وصول. على اية حال، فذلك افضل من لا شيء. 

جلست على أولى درجات السلم الخشبي و يدي بجانبي؛ تمشي على انخفاضات الخشب التي لا تشوبه بل العكس تجعل منه ما هو عليه. هذا و صوت البحر الغاضب على كل من مر به و لم يلقي السلام و التحية. أغمضت عيني و تذكرت ان هنا بالذات منذ خمس سنوات، حدث ما غير ايام و ألوان حياتي.

على الدرجة الثالثة، قدمه اليمنى تسبق اليُسرى بدرجة لتعلن ما قدم هو على فعله. ما زلت اتذكر ملمس يده و هي تُغلف يدي و نظرته تتبعها ببطء حتى وصلت لعيني و صمت لوهلة تُنبيء بشيء قادم مؤكد. كنت هادئة، كما البحر حينها.
قال لي انني لا اعلم مدى أهميتي بحياته، قال اني افضل ما حدث له منذ الولادة، و كل هذا كان قد قيل من قبل في أفلام و ما شابه ذلك. و لكن عندما قال اني انا التي اجعل منه الرجل الذي هو عليه و الذي يريد ان يكون في الخمس سنوات المقبلة، أحسست انه اقترب من طلبه؛ اتقضين معي ما بقي من عمرك؟ سألني. سمعت كلماته و غمرتني سعادتي فبكيت فعلم جوابي.

تلك التشققات بين الخشب المختلطة بالرطوبة، اتذكر كيف استقبلت الخاتم الذي وقع من يدينا بسبب توترنا و فرحتنا. تلك التي لم تدم طويلاً، و لم يعد البحر هادئاً منذ ذاك الوقت.

أمواج البحر تناديني لأطلق العنان لأفكاري، تصرخ عند اصطدامها بالحجارة ان لا احد يموت بعد فراق احد إلا إذا كانا يتشاركا الأنفاس و نبضات قلبيهما؛ أليست تلك غاية الخاتمان في الخنصر الثالث من اليد اليسرى؟ 
جاءت موجة عنيفة فهبطت ببعض من مياهها على وجهي فارتجفت عن أفكاري و كأنها تفيقني من انغماسي فيما مضى. كأنما تقول لي ان ليس الحال كما الحال و أن كل موجود زائل حتى و إن لم نصدق في باديء الامر. و في تلك اللحظة، غربت الشمس مؤكدة كلام البحر و بدأ يهدأ شيئاً فشيئا. كما حالي أنا. 

وجدت تشابه بين البحر و حالي؛ مالح و ليس مستقر و غير متوقع. ذلك اليوم، لم يكن ليهدأ لي بال إلا إذا تكلمت معه عن تلك الأمور السخيفة التي تبقينا على قيد الحياة لتعكر صفوتنا. كان طويل البال، ذكي و صبور، لم يتكلم إلا عندما طلبت منه المجيء حتى نعلم ما العمل، فرفض، و زاد غضبي اكثر. لم أكن أريده ان يجيء دون علمي، و للحظة ظننت اني لم أكن أريده ان يتحرك من بيته في تلك الليلة. ثم حدث ما يحدث في كل مرة، وضع أُمنياتي قبل حياته و جاء لي في وسط الأمطار التي لم ترحم احداً حينها؛ لم يكن هناك غيره يستقبل ما حملت في ذاك الوقت المتأخر. جاء محملاً بالتسامح و الاعتذار لانشغاله عني بالعمل، و أنا تفهمت. 

كانت تلك الليلة الاخيرة قبل ان ينقلب كل شيء و ينتهي بفتور تام. لم نتشاجر او يعلو صوتنا. فكما حدث معه من ذهول لعدم حبي بعد الان، أحسست انا بالمثل. كنت متفاجئة؛ كيف ينتهي شيء لم نطيق انتظار بدايته؟ و كيف تركت من حاربت الجميع لوجوده؟ بعد تلك الليلة، لم يتبقى الكثير من الوقت او الايام حين بدأت الشعور اننا استنفذنا جميع قوانا. و لأول مرة أحسست بتلك القطعة الذهبية حول إصبعي تصدأ مع انها من الذهب، و الذهب لا يصدأ. لكن من الواضح ان هناك أشياء كثيرة نعلمها ثم تضح اكثر حين يظهر عكسها.
 
عادت كل الأشياء إلى رأسي و لم تذكرني الأمواج في تلك المرة، فقد حان موعد الشروق الان. و وجدتني أجيء في مثل اليوم من كل سنة لأخطف لحظات على ذلك اللوح المدرج الذي كان يحبه كثيراً؛ فكان يقول لي ان لكل رحلة أصول و نقطة وصول، و ان لا شيء لا يحدث هباءً او فراغاً. كما ذلك اللوح الذي لولاه لما كانت تلك الكلمات ان تنبث مننا. 

شروق الشمس يعلمني ان تلك هي اللحظة التي يهدأ فيها البحر و أمواجه ليصل إلى السكينة حتى يبدأ رحلته إلى الغروب ثانية. و انا كما البحر، هادئة حتى غروبي و حتى نقطة وصولي.

— سَلْمَىٰ أبُوزِيٓدْ 

Sunday, June 21, 2015

3:24 PM - No comments

نيران دليلة

في زمن الهواء و النسيم، كان يعيش بعيداً حكيم يدعى "سَليم الجريح"، سُمي بالسليم لأنه ما أصابه سوء قط من داخل نفسه، و بقي فقط جريح من خارج نفسه و روحه؛ جسده يتألم لكبر سنه و ما فعلت به الأيام حينا. و كان هُناك طفل في السابعة يهوى اللعب بطائرته الورقية التي هي على شكل غريب ضخم، لها ما يُشبه الأشرعة للسفينة و ما يتدلى من حبال و ألوان، كان يظن الطفل ان لها قوى سحرية؛ فعندما ينطلق بها في الهواء كانت تدله على أماكن غريبة لم يذهب إليها بشر قبله. تلك الطائرة الورقية كان لها اسم اختاره لها الطفل و هو 'دليلة'، لأنها كانت تدله على ما لم يتصور من قبل. 

في يوم من الأيام، أخذ الطفل دليلة و انطلق ليبحث عن مغامرة جديدة، بأماكن جديدة و روائح و ألوان عديدة. رغم ضخامة ما كان بالطائرة دليلة إلا ان وزنها كان خفيف جداً في أيدي الطفل، أمسك بها و قذفها بعيداً جداً في السماء فوجدت مكانها بين السحب في الحال. تبعها الولد كما يفعل في كل مرة، بين الأشجار العملاقة في الغابات و بين تلك الواحة و غيرها من واحات، صعد ما صعد و هبط ما هبط ثم استقرت دليلة و توقفت. وجد نفسه أمام كهف غريب، لا يظن ان هناك احد يسكنه، تقدم خطوتين للأمام و بحذر شديد دخل الكهف. 

جاءه صوت عميق يقول: ماذا تفعل هُنا يا عاصي؟
لم يرد الطفل و هلع خارج الكهف و تلعثم في الخروج منه فترنح و سقط على رأسه و غابت عنه الدنيا و دليلة معاً.

عينٌ تُفتح بهدوء و ثقل إثر السقطة، يكتشف ما حوله بحذر بالغ، فوجد انه على سرير و نور خافت يحيطه من كل ناحية بالشموع القديمة، و رأسه لا تزال تؤلمه. قال في وهن؛ دليلة!، و بحث بعينيه حوله فلم يجد غايته، فشاء ان يصرخ لكنه سرعان ما هبط ثانية في نوم عميق جداً.

أخذ سليم الجريح يقلب دليلة في يده ليعرف اي الأسرار تحمل لتأتي بولدٍ في السابعة كعاصي إلى كهفٍ لم يعرفه احد غير هذا العجوز الجريح، و لما قد يأتي إلى هنا؟ سمع سليم صوت عاصي و هو يتألم و يُكرر اسم دليلة و لم يعلم من هي تلك التي يكرر اسمها مراراً فظن انها أمه. أفاق عاصي و رأى سليم يأتي له بكوب ماء فأخذه الطفل و نظر للحكيم و قال؛ من انت؟ ابتسم سليم و قال؛ انت الذي في بيتي فماذا جاء بك إلى هنا؟ صمت عاصي لوهلة ثم سأله؛ عذراً، جئت هنا بالخطأ و سأذهب الآن، هَمّ بالرحيل سريعاً حين سأله الحكيم؛ من تكون دليلة؟ سكن عاصي للحظات ثم أردف؛ علمت إسمي دون قولي لك فلما هو صعب عليك معرفة هوية دليلة؟ لم ينتظر منه رد و غادر الكهف ركضاً و هو يبحث عن طائرته فأخذها في يديه و لكنه لم يستطع ان يحملها؛ أصبحت ثقيلة جداً عليه، حاول مراراً على ان حتى يجرها ورائه لكن لا فائدة، جاؤه سليم و تأمل مُحاولته الفاشلة في استرجاع طائرته الورقية و هو يصيح بها: هيا يا دليلة!! يجب ان نذهب الان! فتقدم منه العجوز و قال؛ دعني أساعدك، فرد الطفل بوقاحة؛ انت مريض هزيل لا تستطيع حتى مساعدة نفسك! ابتعد عني! و استمر عاصي بالمحاولة حتى نُهكت قواه الضئيلة. فقال في يأس و حزن؛ لماذا لا تطيرين يا دليلة؟ ألا تعرفيني؟ أرجوكِ طيري و دُليني على طريقي. مع نسمات نادرة همست للطائرة، تحركت من مكانها بين يدى عاصي و ذهبت بجوار سليم، نظر لها سليم و أمسك بها فإذا بوزنها يكون كالريشة بين يدى العجوز الهالك، صدم عاصي لما رأى، و لم يفهم.
تحرك إلى الحكيم و سأله بإستعجاب مقتطب؛ كيف يا عجوز؟ فرد عليه بفتور؛ إن لهذه الطائرة الورقية قوى سحرية تُميز من يستحقها؛ تذهب لذوي الضعف الجسدي لتجعلهم يظنون بقوة خفية بعد خسارتهم لكل انواع القوى المتبقية. فلا أنت شابٌ و لا أنا أيضاً، لذلك تذهب دليلة إلى من يستحق السعادة و لا تنتمي ليدِ احد ابداً؛ فكلما وجدت طفل او عجوز تكون بين يديه مطيعة خفيفة غير مؤذية. تذهب به إلى اماكن عدة، لذا لم تكن انت اول طفل يمسك بها و لا انا اخر عجوز تختارني، سمعت عنها الكثير في الكتب، لكني لم ابحث عنها، لأنها إذا تركتك تُشعل فيك نيران كثيرة؛ نار الغيرة و نار الفراق و نار الحزن أيضاً.
سكت عاصي لبرهة، لا يعلم ما العمل الآن، نظر إلى ارض قعوده ثم الى سليم الجريح و هو يبتسم و يستكشف طائرته الورقية الجديدة؛ دليلة. 

- سَلْمَىٰ أبُوزِيٓدْ 

Tuesday, February 24, 2015

ملاكي الحارس.

ملاكي الحارس

خيال يأخذه إلى مكان نقي حديث الولادة؛ اليوم نرتقي إلى أعالي الجبال العملاقة. ماذا يحدث لمن لم يجد مكان او حصن او حضن يحتويه؟ يذهب لمن ليعثر على شيء يحتميه؟ الجمال ليس في ألوان مرموقة منسقة على أشكال لا تنزعج ثم أرقام العمر تُسترسل بإتقان بالغ. رأيتها هناك! أقسم اني فعلت - صرخ في الطرقات- رأيتها لكنها لم تلاحظني و حاولت ان ألفت نظرها فجريت ورائها لألحقها، لكني لم استطع ان المسها او حتى اقترب منها. كانت بالغة السرعة و الرقة في آن واحد؛ كأنها ملاك لا زال يتعلم التحليق في السماء. كانت من أجمل الملائكة في الوجود، و كنت انا بشري ليس لدي سوى ضعفٍ يضعف بالوقت. و اتذكر في يوم كُنا فيه نجري سوياً، ننعم بنصفينا معاً؛ الملائكي و البشري، قالت لي حينها، كم اريد ان أطير في السماء الزرقاء تلك! فرددت عليها بكيف! نحن لا نطير.. كانت تعلم ذلك. فحزنت. و لم نعد نجري سوياً. 

في مكان كانت تُحيطه أزهار الحُب الصغيرة التي تتميز بألوان الجمال، كُنا نجلس و لا نتكلم، بدت منكسرة فسألتها عن ماذا يزعجها. قالت لي أريد ان أطير.. فسألتها كيف، و نحن نصف بشرين و لنا ما لهم من قدرات غير عفية. فنظرت لي طويلاً و قالت: أتعلم لماذا نحن هُنا؟ أنحن هنا لفقط نجري سوياً؟ فقلت لا، بالتأكيد لا.. نحن هنا لنكون مع بعضنا البعض.. لنُكمل بعض..
فالتفتت لي و قالت: إذا فلتعطينِ نصفك..حتى أطير و سأكون هنا بجانبك للأبدية. فزعت! كانت تريد نصفي الملائكي لتطير! تململت فقالت: و أنا سأهبك نصفي البشري فلا حاجة لي به، فتصبح انت إنسان بشري مكتمل لتكون هنا بجانبي و انا أكون ملاك مكتمل و لا أتركك ابداً. ملاكك الحارس . احببت الفكرة..ملاكي الحارس.

ذهبنا بعدها إلى قصر المودة الذي يذهب إليه كل الذين يريدون اكثر مما يتحملون؛ لنتبادل الأنصاف و نكون كذلك مكتملين مختلفين. دخلنا من باب العظمة لنجدنا في غُرفة التحابب و التعامل بالأشكال؛ و تركنا أرواحنا تطفو.. لنكون في بدن اخر يصُب في قالب الحور الذي يُسمى بالإكليل. انتهينا من التبادل و خرجنا منفصلين غير مدركين إلا عندما تركنا باب العظمة. 
و أصبحت انا بلا قوة غير تلك التي للبشر، تُسمى القوة الجسدية؛ وجدتها ضئيلة جداً، فحزنت. أما هي، فنما لها جناحان ضخمان لهما ألوان مُدرجة حميمة و ارتسم على وجهها ما نبت من اعلى رأسها، شعر بخصلات ذهبية تُرى كأنها شموس مُصغرة. عنان السماء استقبل جناحيها و غاصت فيه كثيراً..

غابت كثيراً و لم اعلم أين ذهبت.. و في أخر الليل وجدتها تعود فجريت نحوها خوفاً عليها من ان تقع! و لكنها كانت تتحكم جيداً بقواها. تقدمت نحوي و همست "أشكرك.." فلم اقل إلا "لماذا أردتي الطيران؟" و لم يخطر ببالي ان اعاتبها على تأخرها. أردت ان اتحرر من الضعف الذي كان يقيدني.. قالت هذا و وجدتها تحتضني و انفرد جناحها الأيمن و تبعه الأيسر حتى كدتُ ان اختفي داخلهما..و لكني لم اخف.. لأنها كانت تُغني لي ما أُحب..

”عاش عاش كان البطل..غريب قريب سعيد بطل
طيور تجيء بكل الغرام و من الهيام..ما سطل“

- سلمى أبوزيد

إلى ملاكي..

Thursday, December 11, 2014

لا شيء.

يسبقها إحساس البرودة حوله ظلام يحتوي جسدها الضئيل على عكس عقلها الذي لا يحتويه شيء. تتأمل حياتها إلى هذه النقطة التي ما رغبت في خوضها مع نفسها. كُل الذي قيل و كُل الذي لم يُقال الآن في صياغ واحد. لم تكتفي برفض ما عانت في فترات سابقة متقطعة؛ بل كانت كل ليلة تتذكر ما حدث و قد قاربت الذكريات نفسها على التحلل لكثرة نبشها. 
يوم من ايام الحياة الذي هربت فيه و أتت بكل ما وجدت من شجاعة لتترك كل شيء خلفها. وجدت نفسها ترمي بكل الملابس الأنيقة على ارض الغرفة التي كرهتها طويلاً، و كل الأزياء الجميلة في حقيبة صغيرة للسفر البعيد. البكاء لا يفارق قلبها و لا يقرب من عينيها. الان لم يتبقى شيء. 

و تلك الذكرى بمشيتها الحادة على ارض مطار بلادها كأنها مع كل خُطوة تنتقم من كل يوم بشع، من كل ساعة ظلم و من كل شخص سيء. رأت أمامها كل الأشياء واحد؛ الأصدقاء و العائلة و الحبيب. 

الان لم يتبقى شيء. 

”صمت يعلمني بهروبي
أتيت لأخسر ابشع حروبي
ركضت في ارض واسعة
ظننتها ارض وجودي“

في يوم كان العالم كله ضدها، ففي منتصف عقدها الثاني، هربت منهم و من مشاكلهم عند اول فرصة عمل جاءتها ببلد أوروبية. ستكون غريبة هُناك تُحترم و يُنظر اليها بتقدير. فضلت ذاك على ان تكون في وطن يكن لها كل الغرباء في ارض، لا أول بها او آخر. 
فليكن الان و ليس الغد و ليس بعد سنين.


الان لم يتبقى شيء.

و فات من العمر الكثير اذاً و هي لم ترجع ابداً لتلك البلاد التي يسميها بعضهم الوطن. فأي وطن؟ و بأي حق بوطننا نبالغ و نغامر و نقتل و نحارب؟ لأي شيء؟ لتاريخ قد مات زعماؤه و نُسبوا إليه؟ اما نحن فليس لدينا نسب؛ نحن لا ننسب لشيء ابداً.

فالآن انتهى كل شيء.

سلمى أبوزيد.